سورة المؤمنون - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المؤمنون)


        


قوله تعالى: {الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ} وهو أعلى الجنة قد ذكرناه في سورة الكهف {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} لا يموتون ولا يخرجون، وجاء في الحديث: «أن الله تعالى خلق ثلاثة أشياء بيده: خلق آدم بيده، وكتب التوراة بيده، وغرس الفردوس بيده، ثم قال: وعزتي لا يدخلها مدمن خمر، ولا ديوث». قوله عز وجل: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ} يعني: ولد آدم، و{الإنسان} اسم الجنس، يقع على الواحد والجمع، {مِنْ سُلالَةٍ} روي عن ابن عباس أنه قال: السلالة صفوة الماء. وقال مجاهد: من بني آدم. وقال عكرمة: هو يسيل من الظهر، والعرب تسمي النطفة سلالة، والولد سليلا وسلالة، لأنهما مسلولان منه.
قوله: {مِنْ طِينٍ} يعني: طين آدم. والسلالة تولدت من طين خلق آدم منه. قال الكلبي: من نطفة سلت من طين، والطين آدم عليه السلام، وقيل المراد من الإنسان هو آدم. وقوله: {من سلالة}: أي: سل من كل تربة. {ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً} يعني الذي هو الإنسان جعلناه نطفة، {فِي قَرَارٍ مَكِينٍ} حريز، وهو الرحم مُكّن أي قد هيئ لاستقرارها فيه إلى بلوغ أمدها.


{ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا} قرأ ابن عامر وأبو بكر {عظما}، {فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ} على التوحيد فيهما، وقرأ الآخرون بالجمع لأن الإنسان ذو عظام كثيرة. وقيل: بين كل خلقين أربعون يوما. {فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا} أي ألبسنا، {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} اختلف المفسرون فيه، فقال ابن عباس: ومجاهد، والشعبي، وعكرمة، والضحاك، وأبو العالية: هو نفخ الروح فيه. وقال قتادة: نبات الأسنان والشعر. وروى ابن جريج عن مجاهد: أنه استواء الشباب. وعن الحسن قال: ذكرا أو أنثى. وروى العوفي عن ابن عباس: أن ذلك تصريف أحواله بعد الولادة من الاستهلال إلى الارتضاع، إلى القعود إلى القيام، إلى المشي إلى الفطام، إلى أن يأكل ويشرب، إلى أن يبلغ الحلم، ويتقلب في البلاد إلى ما بعدها.
{فَتَبَارَكَ اللَّهُ} أي: استحق التعظيم والثناء بأنه لم يزل ولا يزال. {أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} المصورين والمقدرين. والخلق في اللغة: التقدير. وقال مجاهد: يصنعون ويصنع الله والله خير الصانعين، يقال: رجل خالق أي: صانع.
وقال ابن جريج: إنما جمع الخالقين لأن عيسى كان يخلق كما قال: {إني أخلق لكم من الطين} [آل عمران- 49] فأخبر الله عن نفسه بأنه أحسن الخالقين. {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ} والميت- بالتشديد- والمائت الذي لم يمت بعد وسيموت، والميت- بالتخفيف-: من مات، ولذلك لم يجز التخفيف هاهنا، كقوله: {إنك ميت وإنهم ميتون} [الزمر- 30]. {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ}.


{وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ} أي: سبع سموات، سميت طرائق لتطارقها، وهو أن بعضها فوق بعض، يقال: طارقت النعل إذا جعلت بعضه فوق بعض. وقيل: سميت طرائق لأنها طرائق الملائكة. {وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ} أي كنا لهم حافظين من أن تسقط السماء عليهم فتهلكهم كما قال الله تعالى: {ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه} [الحج- 65].
وقيل: ما تركناهم سدى بغير أمر ونهي.
وقيل: وما كنا عن الخلق غافلين أي بنينا فوقهم سماء أطلعنا فيها الشمس والقمر والكواكب. {وَأَنزلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ} يعلمه الله. قال مقاتل: بقدر ما يكفيهم للمعيشة، {فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأرْضِ} يريد ما يبقى في الغدران والمستنقعات، ينتفع به الناس في الصيف عند انقطاع المطر. وقيل: فأسكناه في الأرض ثم أخرجنا منها ينابيع، فماء الأرض كله من السماء، {وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ} حتى تهلكوا عطشا وتهلك مواشيكم وتخرب أراضيكم وفي الخبر: «أن الله عز وجل أنزل أربعة أنهار من الجنة: سيحان، وجيحان، ودجلة، والفرات».
وروى مقاتل بن حيان عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله عز وجل أنزل من الجنة خمسة أنهار: جيحون، وسيحون، ودجلة، والفرات، والنيل، أنزلها الله عز وجل من عين واحدة من عيون الجنة، من أسفل درجة من درجاتها، على جناحي جبريل، استودعها الله الجبال، وأجراها في الأرض، وجعل فيها منافع للناس، فذلك قوله عز وجل: {وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض}، فإذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج أرسل الله جبريل فرفع من الأرض القرآن، والعلم كله والحجر الأسود من ركن البيت، ومقام إبراهيم وتابوت موسى بما فيه، وهذه الأنهار الخمسة، فيرفع كل ذلك إلى السماء فذلك قوله تعالى: {وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ} فإذا رفعت هذه الأشياء من الأرض فقد أهلها خير الدين والدنيا».
وروى هذا الحديث الإمام الحسن بن يوسف، عن عثمان بن سعيد بالإجازة، عن سعيد بن سابق الإسكندراني، عن مسلمة بن علي، عن مقاتل بن حيان.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8